تحدثنا فى المقال السابق عن المعتقدات
والقواعد الأساسية أو الجوهرية حول الذات والمعتقدات حول الآخر والمعتقدات حول
المستقبل وأشرنا إلى وجود أخطاء التفكير والتى تمثل الافتراضات أو القواعد الوسطية
الخاطئة والتى تتسبب فى وجود المشاعر والافكار السلبية فى المواقف اليومية
المختلفة ويؤدى ذلك إلى سلوك غير تكيفى.ولكى نوضح بشكل عملى هذه الحلقة المتصلة من
القواعد الأساسية وأخطاء التفكير والأفكار التلقائية والاستجابات غير التكيفية
سنعرض لكم دراسة حالة ونطبق عليها ما سبق لنقرب الفكرة لأذهاننا بإذن الله.
البيانات الشخصية: (أ) يبلغ من العمر 35 عامًا، حاصل على ماجستير فى
إدارة الأعمال ويعمل بأحد البنوك.
الشكوى: جاء يشكو من حالة مزاجية سيئة منذ
فترة طويلة..تعب جسمانى..شعور مزمن بالإرهاق وانخفاض فى مستوى الطاقة..شعور
بانخفاض مستوى الثقة بالنفس وصعوبة فى اتخاذ القرارات والتسويف وعدم القدرة على
البدء فى أى نشاط.
التشخيص(الانطباع) المبدئى : اكتئاب...أو
عسر المزاج(الاضطراب الاكتئابى المستمر) أو اضطرابات التكيف مع أعراض اكتئاب (إذا
كان الأمر مرتبطا بحدوث ضغوط حياتية) وقد تكون هناك علامات تشير إلى سمات شخصية
معينة أو أحد اضطرابات الشخصية والتى تتضح فيما بعد مع العلاج والمتابعة.
لكن هذه الأعراض كما ذكر العميل أنها منذ
فترة طويلة إذن ما الذى أتى به اليوم إلى العيادة النفسية ؟
إذن
لابد أن يكون هناك سبب مباشر وصل بالعميل إلى الدرجة القصوى من المشاعر السلبية
التى لم يعد يتحملها فقرر طلب المشورة والعلاج؟ ودعونا نتابع الحوار بين المعالج والعميل والذى يدور حول
البحث عن السبب المباشر واستخدامه فى فهم المزيد من معتقدات العميل حول ذاته
وأخطاء التفكير المحتملة.
المعالج: لكنك ذكرت أن الحالة المزاجية
المنخفضة موجودة منذ فترة طويلة إذن لماذا أتيت اليوم بالذات؟ هل هناك جديد؟
العميل: نعم...تركتنى خطيبتى بعد تسعة أشهر
من الخطوبة وهذه هى المرة الثانية فلقد تركتنى خطيبتى الأولى أيضًا بعد سنة حيث
أننى كنت ارتبطت بها بعد تخرجى مباشرة.
المعالج: إذن ارتبطت مرتين؟
العميل: لا بل ثلاثة فأثناء دراستى بالكلية
كنت أحب زميلة لى وكانت قصة حب عنيفة..حقيقية...كنت أرى وقتها الحياة بلون مختلف
يغلب عليه الطابع الوردى..كانت فترة أرى فيها كل شئ جميلًا.كانت حالة من السعادة
الغامرة ولا أظن أننى من الممكن أن أمر بمثل هذه المشاعر مرة أخرى فى حياتى..
المعالج: وكيف انتهت هذه العلاقة؟
العميل: كنا فى السنة الثالثة من
الكلية..وسافرت هى لوالدها بأمريكا أثناء الأجازة الصيفية وعند عودتها لاحظت
تغييرًا واضحًا فى تعاملها معى وصارحتها بذلك فكان ردها أنها تشعر أن علاقتنا
محكوم عليها بالفشل والأفضل أن نكون أصدقاء لكنها قطعت علاقتها بى تمامًا بعد ذلك
المعالج: ربما كان هناك خلاف كبير بينكما قبل
سفرها إلى والدها.
العميل: مطلقًا لم يحدث بيننا أى خلاف فأنا
دومًا كنت حريصًا على إرضائها حتى ولو على حساب نفسى وقناعاتى . كنت دائمًا أحاول
أن أعمل على أن نقترب ونتلاقى فى أفكارنا لكنها كانت دومًا تصرح لى بأنها تشعر بأن
حاجزًا ما يقف بيننا وأنها كانت تلاحظ أننى أبدو خائفًا كلما تحدثت معى عن فكرة
الارتباط الرسمى...لا أعرف ربما بالفعل كنت أشعر بذلك!
هى أيضا كانت تخشى الحوار معى أحيانًا لأننى
كثيرًا ما كنت أنفعل لأسباب لاتستحق وهذا كان يحدث بالفعل لكننى كنت فورًا أعتذر
لها وأعدها أن ذلك لن يتكرر.
المعالج : وهل بالفعل كنت نجحت فى ضبط
انفعالاتك معها؟
العميل : للأسف لا..حاولت كثيرًا لكننى كنت
أغضب سريعًا وأعتذر لكنها قالت لى أنها ملت الاعتذارات وأصبح الاعتذار بالنسبة لها
عديم المعنى..أعتقد أننى كنت السبب فى فشل هذه العلاقة...صمت العميل فى هذه اللحظة
وبدا عليه الحزن.
العلاقات الأسرية:
الأب:
رجل أعمال المشاعر والتعبير عنها بالنسبة له
مضيعة للوقت ..شئ على الهامش. شخص عملى..شديد الحزم والجدية.
الأم: متقلبة
المشاعر...كثيرة الشكوى ...تستخدم الاابتزاز العاطفى...تقربه منها لتشكو إليه حالها
من الجميع الذين ترى أنهم أساءوا إليها من الأقارب والأصدقاء...تصفه بأنه الوحيد
الذى تشعر بالراحة معه ...لكن ما إن يفكر فى الاستقلال والبحث عن حياته إلا وتلقى
عليه باللوم وتنعته بأنه مثلهم فتكثر من النقد والتوبيخ له ليعود إليها طالبًا
الصفح والغفران.(نواة تكوين الافتراضات والقواعد الخاطئة أى أخطاء التفكير..لابد أن أرضى الجميع ولو على حساب نفسى حتى لايتخلوا عنى أو ينتقدونى وهذا فى الغالب حدث فى علاقاته العاطفية يرضى الآخر على حساب نفسه فيشعر دائمًا بعدم التقدير من الأخر فيصبح كثير الغضب كثير الانفعال).
ملحوظة:
ملحوظة:
(ابتزاز عاطفى يعنى التلاعب بالمشاعر وهو يهدف للسيطرة والتملك ويسبب
ضعف الثقة بالنفس وعدم ثبات صورة الذات وهو من الأسباب التى تؤهل للاضطرابات
النفسية مثل القلق والاكتئاب)
الأشقاء: خمس بنات هن
الأكبر مع فارق كبير فى السن..كن دومًا مشغولات عنه بدراستهن ثم عملهن ثم زواجهن.
المدرسة: كانت سببًا رئيسًا فى فقدان ثقته بنفسه حيث كانت
المقارنة مستمرة بينه وبين شقيقاته وكان الجميع يرى أنه ليس مثلهن فى تفوقهن
الدراسى.
علق العميل فى هذه اللحظة : أنا كنت طوال
حياتى فاشلًا فى الدراسة ذكر ذلك وبدا عليه الحزن والألم والخزى. (معتقد أساسى
سلبى حول الذات كامن فى اللاشعور ظهر أثناء الحوار مع ما يصاحبه من مشاعر سلبية
كامنة).
ملحوظة: بالرغم من تفوق (أ) بعد ذلك فى عمله وأنه أصبح يعمل فى
بنك له إسم ويتقاضى راتبًا مرتفعًا الا أن مفهوم الفشل القديم مازال يلقى بظلاله
عليه ويؤثر فى ثقته بنفسه.
أضاف (أ) كانت الحياة مستمرة رغم شعورى
المزمن بالحزن ..حتى بعد فشل العلاقة الأولى والتى اعتبرتها أصدق علاقة فى حياتى
لكن استطعت أن أكمل حياتى وأعمل لكن هذه المرة بعد انتهاء ارتباطى بخطيبتى شعرت
بأننى أنهار.
تعليق: الانهيار هنا يمثل الدخول الحقيقى فى
حالة اكتئاب بأعراض تستحق التدخل العلاجى..وهو انهيار الحيل العقلية التى تخفى عنه
حقيقة تقديره لذاته وشعوره المزمن بالدونية (أى أن الموقف الأخير لم يكن سوى القشة
التى قصمت ظهر البعير).
وهنا إذا طبقنا الجدول الذى أوردناه سلفًا فى
المقال السابق سيكون كما يلى:
ولمزيد من الشرح يمكن مشاهدة الحلقة على يوتيوب
ونلتقى فى المقال القادم بإذن الله ومزيد من
الشرح للعلاج المعرفى السلوكى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق